غزوة أحد
استنادا إلى ابن كثير لما رجعت قوات قريش إلى مكة بعد هزيمة معركة بدر مشى رجال من قريش ممن قتل آباؤهم أو
3أبناؤهم إو إخوتهم فكلموا أبا سفيان الذي تمكن من إنقاذ قافلة قريش فقالوا له «إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا». بعد سنة استطاعت مكة من أن تجمع 3000 مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش ووصل الجيش إلى جبل أحد في مكان يقال له عينين فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة، واستنادا إلى سيرة برهان الدين الحلبي فإن عم الرسول العباس بن عبد المطلب أرسل رسالة إلى الرسول فيها جميع تفاصيل الجيش ولا يعرف مدى صحة هذه الرواية لكونها مستندة على سيرة ابن اسحاق الذي كتب في عهد العباسيين الذين كان لهم خلافات مع من سبقهم من الأمويين.
لما بلغت الأنباء المسلمين فرح بعضهم وخاصة من لم يخرج منهم إلى معركة بدر ولم يصب مغنما واستنادا الى سيرة ابن هشام فقد قال بعض المسلمين الذين فاتتهم بدر «يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون إنا جبنا عنهم و ضعفنا» واستنادا الى نفس المصدر فإن الأنصار وعبدالله بن أبي بن سلول كانوا يرغبون بالبقاء بالمدينة والدفاع عنها وكان هذا الرأي مطابقا لرأي الرسول محمد الذي فضل ألا يخرجوا من المدينة بل يتحصنوا بها حيث أن الرسول وحسب بعض الروايات أخبر المسلمين عن رؤيا رأها قال: «إني قد رأيت والله خيرًا، رأيت بقرًا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا، ورأيت أني أدخلت في درع حصينة» وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول الدرع بالمدينة [5].
وتحت ضغط التيار الداعي إلى الخروج الى قريش وفي مقدمتهم حمزة بن عبد المطلب قام الرسول بلباس ملابس الحرب وخرج المسلمون ولكن عبدالله بن أبي بن سلول وهو سيد الخزرج ورئيس من أسماهم المسلمين بالمنافقين قرر أن يعود بأتباعه إلى المدينة وكانوا واستنادا إلى سيرة الحلبي 300 مقاتل وناداهم بقوله «ارجعوا أيها الناس عصاني و أطاع الولدان وماندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس». أدرك المسلمون الشعب من جبل أحد، فعسكر الجيش مستقبلاً المدينة وجاعلاً ظهره إلى هضاب جبل أحد، واختار الرسول فصيلة من الرماة الماهرين قوامهما خمسون مقاتلاً وجعل قائدهم عبد الله بن جبير بن النعمان وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي مناة وإستنادا الى البخاري فإن الرسول قال لهم «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم».
وهناك رواية في كتاب ابن إسحاق عن جبير بن مطعم الذي كان له عبدا حبشيا يسمى وحشي وكان ماهرا في قذف الرمح ووعده جبير بعتق رقبته إن قتل حمزة بن عبد المطلب وإستنادا إلى ابن هشام فإن هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها، قالت "ويها أبا دسمة اشف واستشف" و كان وحشي يكنى بأبي دسمة [6].
وقائع المعركة
غار في جبل أحد يعتقد إن الرسول وأصحابه قاموا باللجوء إليه بعد معركة أحد
عندما تقارب الجمعان وقف أبو سفيان ينادي أهل يثرب بعدم رغبة مكة في قتال يثرب وإستنادا الى سيرةالحلبي فإن عرض أبو سفيان قوبل بالإستنكار و الشتائم وهنا قامت زوجته هند بن عتبة مع نساء مكة يضربن الدفوف ويغنين:
ويها بني عبد الدار
ويها حماة الأديار
ضربا بكل بتار
إن تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق
إن تدبروا نفارق
فراق غير وافق
وخرج من قريش طلحة بن أبي طلحة وطلب المبارزة فخرج إليه علي بن أبي طالب فصرعه علي وخرج رجل ثاني من قريش يطلب المبارزة فخرج إليه الزبير بن العوام فصرعه بن العوام وبعدها حدثت حادثة مشهودة في التأريخ الإسلامي فإستنادا على البيهقي خرج من قريش إبن أبي بكر والذي كان إسمه عبد الرحمن طالبا المبارزة فخرج إليه والده أبو بكر شاهرا سيفه إلا إن الرسول منعه من مبارزة إبنه.
أعطى الرسول الراية لمصعب بن عمير وجعل الزبير بن العوام قائدا لإحدى الأجنحة و المنذر بن عمرو قائدا للجناح الآخر ورفض الرسول مشاركة أسامة بن زيد و زيد بن ثابت في المعركة لصغر سنهما[7] ودفع الرسول سيفه الى رجل من الأنصار يدعى سماك بن خرشة ولقبه أبو دجانة وكان مشهورا بوضع عصابة حمراء اثناء القتال وكان مشهورا ايضا بالشجاعة و التبختر بين الصفوف قبل بدأ المعركة وقال فيه الرسول وإستناداالى السهيلي في كتابه "الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية" "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن".
بدأت المعركة عندما هتف الرسول برجاله "أﻤت , أمت" وإستطاع المسلمون من قتل اصحاب اللواء من بيت عبد الدار فإستطاع علي بن أبي طالب من قتل طلحة الذي كان حامل لواء قريش فأخذ اللواء بعده شخص يسمى أبو سعد ولكن سعد بن أبي وقاص تمكن من قتله وفي هذه الأثناء إنتشر المسلون على شكل كتائب متفرقة وإستطاعت نبال المسلمين من إصابةالكثير من خيل اهل مكة وتدريجيا بدأ جيش أبو سفيان بإلقاء دروعهم وتروسهم تخففا للهرب وفي هذه الأثناء صاح الرماة التي تم وضعهم على الجبل "الغنيمة , الغنيمة" ونزل 40 منهم يلهثون وراء الغنيمة بينما بقيت ميمنة خالد بن الوليد و ميسرة عكرمة بن أبي جهل ثابتة دون حراك وفي هجمة مرتدة سريعة أطبقت الأجنحة على وسط المسلمين الذين من ذهولهم صاروا يقتلون بعظهم بعضا وتمكنت مجموعة من جيش أبي سفيان من الوصول الى موقع الرسول محمد .
إشاعة مقتل النبي محمد
إستنادا الى الطبري فإنه عند الهجوم على الرسول تفرق عنه أصحابه واصبح بوحده ينادي "إلي يافلان , إلي يافلان, أنا رسول الله" وإستطاع عتبة بن أبي وقاص من جيش ابي سفيان ان يصل الى الرسول وتمكن من كسر خوذة الرسول فوق رأسه الشريف وتمكن مقاتل آخر بإسم عبدالله بن شهاب من يحدث قطعا في جبهته الشريفه وتمكن إبن قمئة الحارثي من كسر أنفه الشريف وفي هذه الأثناء لاحظ سماك بن خرشة ولقبه أبو دجانة حال الرسول فإنطلق اليه وإرتمى فوقه ليحميه فكانت النبل تقع في ظهره وبدأ مقاتلون آخرون يهبون لنجدة الرسول منهم مصعب بن عمير و زياد بن السكن و 5 من الأنصار فدافعوا عن الرسول ولكنهم قتلوا جميعا وعندما قتل ابن قميئة الليثي , مصعب بن عمير ضن إنه قتل الرسول فصاح مهلهلا "قتلت محمدا" ولكن الرسول في هذه الأثناء كان يتابع صعوده في شعب الجبل متحاملا على طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام وإستنادا الى رواية عن الزبير بن العوام فإن الصرخة التي إدعت قتل الرسول كانت عاملا مهما في هزيمة المسلمين حيث قال بن العوام "وصرخ صارخ : ألا إن محمد قد قتل , فانكفأنا و إنكفأ القوم علينا" [8]
هناك أراء متضاربة عن الشخص الذي أطلق تلك الصيحة التي إشتهرت بصرخة الشيطان فيقول البيهقي "وصاح الشيطان: قتل محمد" بينما يقول ابن هشام "الصارخ إزب العقبة, يعني الشيطان" وهناك في سيرة الحلبي الصفحة 503 المجلد الثاني, رواية عن عبدالله بن الزبير إنه رآى رجلا طوله شبران فقال من انت ؟ فقال إزب فقال بن الزبير ما إزب ؟ فقال رجل من الجن [9].
وقد أقبل أبي بن خلف الجمحي على النبي عليه الصلاة والسلام -وكان قد حلف أن يقتله- وأيقن أن الفرصة سانحة، فجاء يقول: يا كذّاب أين تفر! وحمل على الرسول بسيفه ، فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): بل أنا قاتله إن شاء الله، وطعنه في جيب درعه طعنة وقع منها يخور خوار الثور، فلم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم حتى مات. ومضى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) يدعو المسلمين إليه، واستطاع -بالرجال القلائل الذين معه- أن يصعد فوق الجبل، فانحازت إليه الطائفة التي اعتصمت بالصخرة وقت الفرار. وفرح النبي عليه الصلاة والسلام أن وجد بقية من رجاله يمتنع بهم، وعاد لهؤلاء صوابهم إذ وجدوا الرسول حياً وهم يحسبونه مات. ويبدو أن إشاعة قتل النبي سرت على أفواه كثيرة، فقد مر أنس بن النضر بقوم من المسلمين ألقوا أيديهم وانكسرت نفوسهم فقال: ما تنتظرون: قالوا: قتل رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)! فقال: وما تصنعون بالحياة بعده؟. قوموا فموتوا على ما مات عليه...ثم استقبل المشركين فما زال يقاتلهم حتى قتل...
روى مسلم: أن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أفرد يوم "أحد" في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش ، فلما أرهقه المشركون قال: من يردهم عني وله الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل! ثم رهقوه، فقال من يردهم عني وله الجنة، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة. فقال رسول الله: ما أنصفنا أصحابنا -يعني من فَرُّوا وتركوه. وتركت هذه الاستماتة أثرها، ففترت حدَّة قريش في محاولة قتل الرسول، وثاب إليه أصحابه من كل ناحية وأخذوا يلمون شملهم ويزيلون شعثهم. وأمر النبي صحبه أن ينزلوا قريشاً من القمة التي احتلوها في الجبل قائلاً: ليس لهم أن يعلونا، فحصبوهم بالحجارة حتى أجلوهم عنها.
وقد نجح الرماة حول رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) كسعد بن أبي وقاص وأبو طلحة الأنصاري في رد المشركين الذين حاولوا صعود الجبل، وبذلك أمكن المسلمين الشاردين أن يلحقوا بالنبي ومن معه.
وقد اصاب الصحابة التعب والنعاس فقد داعب الكرى أجفان البعض من طول التعب والسهر، فإذا أغفى وسقط من يده السيف عاودته اليقظة فتأهب للعراك من جديد! وهذا من نعمة الله على القوم {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ}.
وظن المسلمون -لأول وهلة- أن قريشاً تنسحب لتهاجم المدينة نفسها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب: اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ فإن هم جنَّبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة؛ فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرنَّ إليهم ثم لأناجزنهم فيها. قال علي: فخرجت في آثارهم فرأيتهم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل واتجهوا إلى مكة.
هناك رواية على إن هند بن عتبة بقرت عن كبد حمزة بن عبد المطلب فلاكته فلم تستطعه فلفظته [10] وبعد ان إحتمى المسلمون بصخرة في جبل أحد تقدم أبو سفيان من سفح الصخرة ونادى "أفي القوم محمد" ؟ 3 مرات لم يجاوبه أحد ولكن أبو سفيان إستمر ينادي "أفي القوم إبن أبي قحافة" ؟ "أفي القوم إبن الخطاب" ؟ ثم قال لأصحابه "أما هؤلاء فقد قتلوا" ولكن عمر بن الخطاب لم يتمالك نفسه و قال "كذبت والله إن الذين عددتهم لأحياء كلهم" ثم صاح أبو سفيان "الحرب سجال أعلى هبل, يوم بيوم ببدر" فقال الرسول محمد "الله أعلى و أجل لا سواء ! قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار" [11]
ومن المواقف موقف أبو دجانة فقد روى ثابت عن النبي (صلَّى الله عليه وسلم) أنه أمسك يوم "أحد" بسيف ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فأحجم القوم. فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين. قال ابن إسحاق كان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها عُلِم أنه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف من يد رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) تعصَّب وخرج يقول:
أنا الذي عاهدني خليلـــــــي ونحن بالسفح لدى النخيـــــــل
ألاَّ أقوم الدهر في الكيــــــول أضرب بسيف الله والرســـــول
وموقف حنظلة بن أبي عامر خرج حنظلة بن أبي عامر من بيته حين سمع هواتف الحرب، وكان حديث عهد بعرس، فانخلع من أحضان زوجته، وهرع إلى ساحة الوغى حتى لا يفوته الجهاد وهو جنب فأستشهد وسمي بغسيل الملائكة.
ومنها مافعله سعد بن الربيع فقد روى ابن إسحاق: أن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) قال: من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا. فنظر، فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق. فقال له: إن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أمرني أن أنظر، أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) سلامي! وقل له: إن "سعد بن الربيع" يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته! وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن "سعد بن الربيع" يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلِص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف.
بعد المعركة
إنتهت المعركة بأخذ قريش ثأرها فقد قتلوا 70 مسلما بسبعين مقاتلا من مكة يوم معركة بدر و أسروا 70 مسلما وهو عدد مطابق لأسرى مكة يوم بدر وفي سورة آل عمران إشارة الى هذا حيث ينص الآية 165 "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [12], وكان من القتلى 4 من المهاجرين و مسلم قتل عن طريق الخطأ على يد مسلمين آخرين وكان إسمه اليمان أبا حذيفة فأمرهم الرسول أن يخرجوا ديته وكانت خسائر قريش حوالي 23 مقاتلا [13]. وأمر الرسول ان يدفن قتلى المسلمين حيث صرعوا بدمائهم و أن لا يغسلوا و لا يصلى عليه وكان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد [14].
وقد حزن الرسول على مقتل حمزة: وقد كان رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) يعز حمزة، ويحبه أشد الحب، فلما رأى شناعة المثلة في جسمه تألم أشد الألم، وقال: لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت قط موقفاً أغيظ إليَّ من هذا.
No comments:
Post a Comment