منذ أن دخل الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة المنوّرة شعر - بحكمته وبالتوجيه الالهي الّذي كان يتلقّاه - بخطر اليهود ، وما يمكن أن يقوم به هؤلاء الاعداء من محاربة وعدوان على الدعوة والدولة والرسالة .ولكي يقيم الحجّة عليهم ، ويشلّ النشاط التخريبي الّذي يمكن أن يقوموا به ، قام (ص) بإبرام معاهدة مع يهود بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير، على أن لا يحاربوه، ولا يُعينوا أحداً على حربه ، لتجميد هذه الجبهة ، وتوفير المجال أمام حركة الدعوة والدولة وانطلاقتها في العالم .كان اليهود يشكِّلون قطّاعاً مهمّاً في مجتمع المدينة ، وقد تمرّسوا على التخريب وإثارة الفتن والتجسّس، ولديهم ثروة مالية هائلة اكتسبوها من تجارة الذهب والفضّة، وأعمال الصياغة ، كما كان لديهم قُرىً زراعية غنيّة ، ويملكون تأريخاً حضارياً وتراثاً دينياً يُمكِّنهم - رغم تحريفهم له ، وإدخالهم الخرافات والاساطير عليه - من المقاومة أكثر ممّا يُمكِّنُ الفكر الوثني أتباعَهُ من ذلك .شعر يهود بني قينقاع بالخوف من قوّة الاسلام، وتعاظم قدرة المسلمين العسكرية، بعد النصر الّذي حقّقوه في معركة بدر الكـبرى ، ممّا دعاهم إلى نبذ العهد ، وإلغاء المعاهدة ، فكانوا بذلك أوّل قبائل اليهود الّتي نقضت العهد مع رسول الله (ص) .ويهود بني قينقاع كانوا صاغة يعملون في صياغة الذهب والمتاجرة به .وكانوا حلفاء لِعَبادة بن الصامت (رض) ولعبد الله بن اُبَيْ بن سلول، زعيم المنافقين في المدينة .وانسياقاً مع الغرور والتحلّل الاخلاقي الّذي اتّصف به اليهود ، أقدم أحدهم على الاساءة إلى امرأة مسلمة كانت قد دخلت سوق الصّاغة اليهودي لشراء بعض الحلي منها .فدفع النزق والسقوط الاخلاقي الصائغ اليهودي إلى الاعتداء على كرامة تلك المرأة المسلمة الّتي كانت تحتشم بالحجاب ، وهي جالسة أمام دكانه .لقد عقد ذيل ثوبها إلى أعلى الثوب في ظهرها ، وهي لا تشعر بهذا الغدر والتجاوز ، فلمّا قامت تلك المرأة المسلمة ، انكشفت عورتها ، فسخر اليهود منها وضحكوا ، فصاحت تلك المرأة مستغيثة غاضبة ، لقد أثار هذا العدوانُ على كرامة المسلمين واستغاثة المرأة المسلمة أحد المسلمين الحضور ، فانقضّ على اليهودي فقتله جزاءَ جريمته وعدوانه . وقد أثار هذاالخبر المؤلم غضب رسول الله (ص) والمسلمين في المدينة ، ورأى أن ينكل بأولئك اليهود بعد أن أمكنه الله منهم بنقض العهد والاعتداء على عرض المسلمين وكرامتهم .كما دفع هذا الحدثُ المشين عبادةَ بن الصامت إلى البراءة من التحالف معهم ، في حين تمسّك رأس النفاق عبد الله بن اُبَي بن سلول بتحالفه معهم فحرّضهم على مواجهة المسلمين لمّا رأى تهديد رسول الله (ص) لهم ، وعزمه على شنِّ حرب عليهم .غير أنّ رسول الله (ص) لم يكن يبدأ بالقتال قبل الدعوة إلى الاسلام ، وبالحكمة والموعظة الحسنة ، فجمع بني قينقاع ، وعرض عليهم الدخولَ في الاسلام ، وذكّرهم بهزيمة قريش يوم بدر ، وأنذرهم بمثلها ، فردّوا عليه بغرورهم المعهود ، بأنّهم أقدرُ مِنْ قريش على الحرب والمواجهة ، وقالوا :(إنّا والله لو حاربناك لَتَعْلَمُنّ أنّك لم تقاتل مِثلَنا) .وهكذا تواجه الفريقان ، وبدأت المنازلة ، فتحصّن اليهود في حصونهم ، وجمع رسول الله (ص) أصحابه ، وأعطى راية المعركة (الراية البيضاء) لعمّه حمزة ، فسار إليهم بجيشه وعزيمته يؤيِّدُهُ نصرُ الله ووعدُهُ الحقُّ ، في النصف من شوال ، في السنة الثانية من الهجرة ، فقذف الله في قلوبهم الرّعبَ ، واستولى عليهم الخوفُ والجبنُ ، واستمرّ الحصارُ خمسة عشر يوماً ، فطلبوا الصُّلحَ مِن رسول الله (ص) .وقد تنازلوا عن أموالهم وسلاحهم له ، مقابل العفو عنهم ، وفسح المجال أمامهم ، للجلاء من المدينة ، فرضي رسول الله (ص) بالصُّلح ، وأنفَلَ اللهُ رسولَهُ أموالاً وسلاحاً كثيراً في هذه الغزوة ، فخرج بنو قينقاع إلى أذرعات في بلاد الشام بعد ثلاثة أيّام من الموافقة على الصُّلح أذلاّء مدحورين .
Saturday, August 18, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment